إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
محاضرات عن طلب العلم وفضل العلماء
13450 مشاهدة
ذكر نماذج لهمة السلف في طلب العلم

فنقول: إن الإنسان مهما ذاق حلاوة العلم فإنه يزداد نهمه ويزداد طلبه ولا يشبع أبدا، سواء كان يقرأ القرآن، أو يقرأ كتب السنة، أو يقرأ كتب أهل الفقه وأهل العلم النافع، أو يقرأ أيضا في كتب أهل الآداب والأخلاق التي فيها محاسن الأعمال ومساوئها، أو ما أشبه ذلك.
ولن يجد لذلك نهاية، لذلك روي في بعض الآثار: منهومان لا يشبعان: طالب دنيا، وطالب علم، والمنهوم هو: الذي له نهمة وهمة تدفعه، فطالب الدنيا مهما حصل منها لا يشبع ولا تنتهي رغبته، كذلك طالب العلم مهما حصل لا يزال يواصل الطلب، ولا يزال يتعلم حتى يصل إلى آخر حياته.
كما روي عن الإمام أحمد أنه قال: من المحبرة إلى المقبرة، يعني: أنه يشتغل بطلب العلم وبكتابته من المهد إلى اللحد.
هذه حالة أهل العلم الذين أفنوا حياتهم في ذلك، وقد أخبروا بالصعوبات التي لاقوها، وما صبروا عليه من المشقات، وأنهم ما حصلوا هذا العلم إلا بعدما وصلوا إلى ما وصلوا إليه واجتهدوا، فقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان إذا بلغه الحديث عن أحد الصحابة ذهب إليه حتى في القيلولة في شدة الحر في وسط النهار، فإذا طرق بابه، وقيل: إنه نائم، وقف أو جلس عند الباب في حر الشمس حتى يستيقظ للصلاة، فإذا استيقظ ورآه عند الباب استنكر ذلك، وقال: كيف وأنت ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- تجلس في الشمس؟! فيقول: إني كرهت أن أوقظك، فيقول: هلا أخبرتني فآتيك، فيقول: لا العلم يؤتى ولا يأتي؛ العلم يستحق أن يؤتى إليه، حامل العلم يستحق أن يُعْنَى له، هكذا كان -رضي الله عنه-.
كذلك روي عن الإمام الشافعي أنه تكلم بكلام يدل على فضل العلم، وعلى فضل الحرص، وعلى فضل مواصلة العلم، يقول فيما روي عنه: العلم بطي اللزام، بعيد المرام، لا يدرك بالسهام، ولا يورث عن الآباء والأعمام، إنما هو شجرة لا تصلح إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النفس، ولا تسقى إلا بالدرس، ولا يحصل إلا لمن أنفق العينين، وجثا على الركبتين.
وانظر إلى من شغل نهاره بالجمع وليله بالجماع، أيخرج من ذلك فقيها؟! كلا والله، حتى يحتفظ الدفاتر، ويستحصل المحابر، ويقطع القفار، ولا يفصل في طلبه بين الليل والنهار.
ولا شك أن هذا منه -رحمه الله- حث على الصبر والمصابرة في طلب العلم، وبيان أن أهله يلاقون منه المشقات والصعوبات، ويصبرون على قطع القفار التي هي الفيافي والمفازات والأسفار، حتى كان بعضهم يسافر مسيرة شهر لأجل أن يحصل على حديث واحد، وحتى كان البعض مشايخنا أو مشايخ مشايخنا يبيت الليل كله ينسخ ويكتب، ولا يتفرغ لأكل عشائه إلا بعد أذان الصبح أو قرب أذانه، وكل ذلك من نهمته وحرصه على طلب العلم وتعلمه.
وكذلك أيضا حرص كثير منهم في كتابة العلم على أن ينفعوا الأمة بما يكتبونه؛ فقد روي أن بعض العلماء كابن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة؛ أي ثمانين صفحة من التأليف، وذلك لا شك أنه يأتي إلى مؤلفات كثيرة.
وآخر من العلماء ذكروا أنه بعد كل صلاة العشاء يكتب عشرين ورقة في كل ليلة قبل أن ينام، يعني من التأليف، ويصبر على البحث، وطول التنقيب، وذلك كله حرص منهم على المعرفة، ونفع الأمة بما يصلون إليه أو بما ينتفع به بعدهم.